يُعاني الكثير منا من الاكتئاب بنسب متفاوتة ولكن هناك سؤال يطرح نفسه على طاولة النقاش: ما هو سبب الاكتئاب ؟! هل هو خلل فسيولوجي له علاقة ببعض النواقل العصبية في الجسم مثل السيروتونين؛ أم أنه مشكلة نفسية بحتة ؟! عموماً فإن حدوث أي خلل في هذه النواقل كالسيروتونين والدوبامين من الممكن أن يُسبب الاكتئاب!
و لكن مهلاً , يقول دكتور جوزيف كويل « Joseph Coyle » من كلية طب هارفارد « Harvard Medical School » بخصوص الإشارة لتشخيص هذا المرض بسبب اختلال في التوازن الكيميائي لهذه النواقل “هذا تفكير قديم والحقيقة أن الموضوع أعقد من هذا بكثير !”
وفقاً لاستطلاع للرأي في عام 2007 أجراه كريستوفر فرانس « Christopher M. France » اختصاصي علم النفس بجامعة ولاية كليفلاند « Cleveland State University » عن سبب الاكتئاب كانت نتائجه كالآتي: 87.8% من الذين شاركوا في الإستطلاع يعتقدون أن أية خلل في هذه النواقل قد يؤدي لحدوثه؛ في حقيقة الأمر حدوث خلل في نسب هذه المواد داخل الجسم سواء بالزيادة أو النقصان ليس بالضرورة أن يؤدي لظهور أعراض الاكتئاب!

وفقاً لدراسة أخرى أُجريت في عام 2009 بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس « University of California, Los Angeles » أظهرت لنا النتائج الآتية: ثلث الذين يعانون من الاكتئاب وتداوا بمضادات الاكتئاب « Antidepressants » لم يظهر عليهم أي تحسن؛ و لكن هناك نسبة أخرى قد شعرت بالتحسن لكنها مازالت تعاني من الاكتئاب؛ من المفترض لمضادات الاكتئاب أن تساهم في القضاء عليه لكل الذين يعانون من هذا الأمر أو حتى معظمهم.
لذلك لجأ العلماء إلى تصوير مناطق معينة في المخ لرصدها في حالة الأشخاص الطبيعين وكذلك للذين يعانون من الاكتئاب؛ فوجد العلماء أن هناك بعض المناطق في المخ أصغر حجماً عن مثيلاتها في الأشخاص الطبيعيين مثل منطقة « Amygdala » والتي تسمى باللوزة الدماغية وهي المسؤولة عن الشعور بالخوف والقلق.
أظهرت أيضاً الدراسات الخاصة بتصوير المخ أن هناك مناطق معينة تصبح أقل نشاطاً في حالة تعرض الشخص للاكتئاب مثل اللوزة الدماغية ومنطقة تحت المهاد « Hypothalamus » ولكن حتى لو ساهمت تلك التقلصات بالتأثير على الاكتئاب فإن الموضوع مازال غير مفهوم ويحتاج لمزيد من الدراسات!

أظهرت نتائج أخرى أن الحالة المزاجية أو النفسية لها تأثير كبير على الاكتئاب مثل ضغوط الحياة ؛ أو أن تفقد شخص عزيز عليك؛ أو أن تفشل في هدف ما كنت تُخطط له؛ الفكرة في الضغوط النفسية أنها تسبب زيادة إفراز هرمون الكورتيزول « Cortisol » و يسبب افرازه على المدى الطويل تقلصات في منطقة في المخ تُدعى الحصين « Hippocampus »؛ حيث بمرور الوقت قد يؤدي للإكتئاب، وعلى الرغم من ذلك مازال العلماء يحاولون إيجاد علاقة بين الاكتئاب وصغر حجم المخ!
عموماً لا يُمكن تحجيم سبب الاكتئاب في نقص مادة معينة في الجسم أو بسبب ضغوط تعرض لها الإنسان؛ لأن هذا الأمر يُعد نظرة ضيقة ومحدودة.
هناك قصة شهيرة تُدعى الفيل والمكفوفين حينما طُلب من مجموعة من المكفوفين أن يصفوا فيلاً من مجرد اللمس وعلى كل واحد منهم أن يُسجل ملاحظاته عن الصورة التي تخيلها في ذهنه، نشب خلاف في الرأي وتمسّك كل شخص منهم بوصف معين كوّنه من ملاحظاته، رغم أن الفيل في النهاية واحد! هذا بالضبط ما يحدث مع الاكتئاب فحينما نريد دراسته يجب أن ننظر له من كل الجوانب ونحاول إيجاد رابط بينها بدء من أصغر الجسيمات الموجودة في جسمك وحتى العالم الذي تعيش فيه!
- إعداد: أسامة مصطفى
- مراجعة: أريج أبوهنية
- المصدر : 1